قيم الوجه

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قيم الوجه, اليوم الخميس 17 أكتوبر 2024 08:03 مساءً

قيم الوجه

نشر بوساطة سوسن العتيبي في الرياض يوم 17 - 10 - 2024

2099613
يجمع محمد عزيز الحبابي -رحمه الله- بين «الشخص» و»الوجه» عند استعراض دلالة الشخص في تشخصه؛ إن بظهور أبعاده المادية (عَرض، طول، شاخص)، أو قيمته الماديّة (العِرض، النسب، الحسب)؛ ليرفع دلالة «الشخص» العربيّة التي لا تحقق له مراده، خصوصاً المعرفة والفعالية، من عالم المادة والأسباب إلى عالم المعاني والقيم، عند تجلّي الشخص في المجال الإسلاميّ بأفعاله عندما داخله «الإيمان»، فالإيمان المتحقق أو الممكن هو الذي يحقق النفاذ القيمي إلى «الشخص»، في شخص «المؤمن». غير أن دلالة «الشخص» بهذه الرفعة لم يجد لها حضوراً إلا في تقريبها للفظ «الوجه»، وفق دلالة الأخلاق ل»الوجه»، لغرض الوصل بلفظ «الشخص. والوجه لا يسمح ب «الظل» و»الشبح»، وإنما دلالة على متعيّن معروف مُميَّز، وقد شُرِّف اللفظ بالنسبة للحق سبحانه وتعالى في القرآن «وجه الله» -ولله المثل الأعلى-، وأعظم التوجّه ب «أسلم وجهه لله» [ويمكن أن ندخل وفق هذه الدلالة إشارات التوجه نحو الحق سبحانه، وأن المحجوب يُحرم من وجه الحق سبحانه؛ لأنه لم يتوجّه إليه -نسأل الله السلامة-].
وقد قادت دلالة الوجه في القرآن الكريم الحبابي لمقاربتها لدلالة «الشخص» المعنوية عنده. ولأن أشرف ما في الكائن وجهه، فوجه «الكائن الإنسانيّ» (جمعاً بين «الكائن» و»الشخص»)، يمكن أن يحقق دلالة «الشخص» عند الحبابي، بتأصيلها، ليربطها بدلالتها العربيّة؛ فوجد في لفظة «الوجه» ضالته، فالوجه أظهر ما يميّز الكائن (الكائن هو الوجود الظاهري في الكون: عالم الأسباب)، وبذا وُسِم الإنسان به من باب تسمية الكل بالجزء، فصارت دلالة الوجه على الذات المعيّنة، وأما الوجه معنويّاً فدال على «الشخص» (الشخص بمنازع التعالي الفعّال: عالم القيم)؛ فدلالة الوجه بإزاء الشخص؛ قيميةٌ رمزيةٌ في شمولها، فالوجه يدل -خُلقيّاً- على شرف الشخص ودنسه، «حفظاً لماء وجهه» أو «إراقة لماء وجهه»، كما تدل أعضاء الوجه على دلالات معنوية -أهمها السامية-، ف «العين» تدلّ على عدة معانٍ، منها فضحها لما تكنّ القلوب؛ فتفضح سرّها ولو انعقد اللسان. والأنف رمز الكرامة والأَنفة، فإخضاع أنف أحد؛ أي إذلاله، و»أَنِف» من العار، ترفع وتنزّه عنه، لذا من يُهِن نفسه يُجْدَعُ أنفهُ عند بعض العرب وغيرهم. واللسان أداة التفاهم والشهادة والصدق والتواصل؛ والحوار أهم ما يستأنس به الإنسان.
وبالدلالة الإسلامية ل «الوجه» وفق عالم القيم؛ ينتقل إلى «الشخص» في دلالته الفكرية المعاصرة، ليقيّد «الشخص» ب «الإسلام» حفظاً لهذه الدلالة القيمية، فالشخصانية عند تقاطعها مع الإسلام وفق أصول الدلالة العربية هي «الشخصانية الإسلامية»، وتُدرس بمراعاة الجانبين الظاهر والباطن، فيأخذ من الجاهلية المادة اللفظية متعددة المعاني، ومن الإسلام الذي ثوّر اللغة رفعاً لها من الظلمات إلى النور؛ يأخذ المعاني القيمية، ومنها دلالة «وجه»، ف «الشخص» هو اللفظ البديل ل «الوجه» في دلالته الإسلامية السامية؛ فالوجه يكرّم ويهان، والوجهاء علية القوم في النيابة عن قومهم، وبالوجه المواجهة والتوجّه، مع استحضار دلالة المعرفة والتمييز والتعيين لصاحب الوجه. كذا حمل دلالات أعضاء الوجه الخُلقيّة السامية حصراً، فالعين وفق دلالات «عين القوم» و»أعيانهم»، و»الأنف» الأنفة، و»الفم» المفوّه، و»الأذن» الواعي؛ «تعيها أذن واعية». فالوجه دال على الشخص، وبذا يقدّم «الشخصانية الإسلامية»، وفق الدلالات القيمية السامية، بعدّها مساهمة فكرية في عالم الفكر والفلسفة، لحاجة العالم لإعادة تعريف الإنسان بعدَ فعالية التشخص، فالإنسان يتعرّف على ذاته بعدّه كرامة خلقها الكريم سبحانه، ويتعرّف على ذاته ووجوده وكينونته من الممارسة التعبدية والمعاملات، وفق صيرورة لا مجرد تعريفات ثابتة جامدة منغلقة.
وعند الإمعان مع لفظ الوجه دون الشخص، يمكن أن نقول «وجهك» بحسب من تواجهه وتتجه إليه، وكلما علا الوجه الذي تتجه إليه علوت، وهذه الموجّهات الرفيعة بالتوجّه والوجه أعظم ما يسمو بك، ويزكيك، ويكمّلك. والوجه الحق هو الوجه الباقي، وجه من تعوذ به وتلوذ؛ فاللهم نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرّة، ولا فتنة مضلّة.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق